كتب هشام صبري أن قصة جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة، تكشف كيف يمكن لصناعة القرار السلطوي أن تطغى على سيادة الشعوب في الشرق الأوسط اليوم. وأوضح أن الخلافات التي ظهرت بين القاهرة والرياض بعد 2017 لم تكن حول نقل السيادة ذاتها، بل حول الترتيبات المالية والكرامة الوطنية. بحلول 2020 بدأ صبر الرياض ينفد، وضغطت على القاهرة للإسراع في استكمال الخطوات النهائية، بينما استخدمت مصر ما بيدها من أوراق ضغط للحصول على مساعدات إضافية. ورغم السجالات الدبلوماسية والتهديدات السعودية بسحب ودائعها من البنك المركزي المصري، أثبتت صور الأقمار الصناعية أن السيطرة على الجزيرتين انتقلت إلى السعودية فعليًا.

وذكرت صحيفة "داون" أن عقبة أساسية واجهت إضفاء الطابع القانوني على النقل كانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979. المعاهدة، المرتبطة باتفاقيات كامب ديفيد، تفرض نزع سلاح تيران وصنافير وخضوعهما لمراقبة دولية لضمان حرية الملاحة الإسرائيلية. ومن ثم، كان تمرير الصفقة يتطلب موافقة إسرائيل والولايات المتحدة. أبدت تل أبيب في البداية قلقها بسبب وجود قوات حفظ السلام الدولية (MFO) على تيران، لكنها وافقت بعد أن التزمت الرياض باحترام كل بنود المعاهدة. وفي يوليو 2022، خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، جرى التوصل إلى تفاهم يقضي بانسحاب القوات الأجنبية من تيران واستبدالها بنظام مراقبة بالكاميرات، مع انضمام السعودية إلى الترتيبات الأمنية.

جاء هذا الترتيب مناسبًا لولي العهد محمد بن سلمان، الذي لم يرغب في بقاء قوات متعددة الجنسيات على أرض سعودية. وأعلن بايدن أن القوات ستغادر مع نهاية 2022، وأن المراقبة ستعتمد على كاميرات في شرم الشيخ وأخرى أُنشئت بالفعل على تيران. وأشارت تقارير رسمية إلى أن منظمة قوات حفظ السلام الدولية توسعت في اعتماد أنظمة مراقبة غير مأهولة، ما طمأن إسرائيل بأن أمنها البحري لن يتأثر. بحلول منتصف 2022، أعلن الإسرائيليون موافقتهم النهائية، ما أزال آخر عقبة أمام إتمام الصفقة.

حرصت الرياض والقاهرة على إظهار التزامهما بالمعاهدة، فحافظت السعودية على الطابع غير العسكري للجزر، مقتصرة على قواعد خفر السواحل وأنظمة مراقبة. وأكدت مصر، التي أبلغت الأمم المتحدة رسميًا بتغيير السيادة منذ 2017، أنها استوفت كل الإجراءات القانونية. ومع توافق الأطراف الثلاثة بحلول 2022، انتقل الوضع من أمر واقع إلى حقيقة موثقة. وبداية 2023، اكتملت الإجراءات الشكلية.

يشير صبري إلى أن التخلي عن تيران وصنافير أبرز كيف تغلبت حسابات الحكم السلطوي على المساءلة الشعبية في مصر. رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي واجه غضبًا داخليًا واسعًا، بل تجاوز أحكام الدستور والمحاكم كي ينفذ وعده للسعودية. الدوافع كانت جيوسياسية وشخصية في آن؛ فالمملكة مثلت داعمًا أساسيًا لنظامه منذ 2013 بمليارات الدولارات من المساعدات، وأدرك السيسي أن إرضاء الرياض يستحق الثمن الداخلي.

في المقابل، اعتبر ابن سلمان استعادة الجزر اختبارًا محوريًا لعلاقات الرياض والقاهرة، ورآها إنجازًا وطنيًا يوظفه في رؤيته 2030، مع خطط لبناء جسر أو نفق يربط السعودية بسيناء عبر مضيق تيران. بالنسبة لمصر، جلبت الصفقة استثمارات واتفاقيات في 2016 وودائع مالية لاحقًا، لكنها فتحت أسئلة حول الشفافية والسيادة، خصوصًا مع غياب أي إفصاح رسمي عن استخدام الأموال السعودية، ما غذّى اتهامات بالفساد على مستوى عالٍ.

على الصعيد الداخلي، لم يجنِ المصريون مكاسب مباشرة، بل شاهدوا قضية وطنية تُقمع بالقوة. رافقت الصفقة حملة قمع سياسي غير مسبوقة؛ ففي ربيع 2016 اعتقلت قوات الأمن المئات خلال المظاهرات، وحُكم على ناشطين بالسجن لسنوات بسبب منشورات على وسائل التواصل. رسالة النظام كانت واضحة: السيادة تحددها الدولة وحدها، وأي معارضة تعتبر جريمة. في تصريح لافت، قال السيسي علنًا: "من فضلكم، لا أريد الحديث في هذا الموضوع مرة أخرى".

إقليميًا، أزال الاتفاق عقبة ظلت تؤرق العلاقات المصرية السعودية، وفتح الباب لتقارب سعودي إسرائيلي غير مباشر، إذ شكّل التعاون الأمني حول الجزر خطوة بنّاءة ضمن مساعي واشنطن لدفع مسار التطبيع. فتح السعودية مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية في 2022 جاء متزامنًا مع تسوية وضع الجزيرتين، ما كشف عن الترابط بين الملفين.

اليوم أصبحت تيران وصنافير تحت السيادة السعودية بشكل كامل، بينما يقتصر دور مصر على الالتزام بضمانات الملاحة. أما بالنسبة للمصريين العاديين، فقد خسروا جزرًا طالما اعتُبرت رمزًا وطنيًا، وصارت خارج متناولهم حتى للرحلات البحرية. ورغم إغلاق الملف قانونيًا بتصديق البرلمان والرئاسة واعتراف الأمم المتحدة، ما زالت الجزر حاضرة في الوعي الشعبي كرمز لـ"صفقة في الظلام" جرت ضد إرادة الأمة.

https://dawnmena.org/tiran-and-sanafir-the-hidden-hand-over-of-egypts-red-sea-islands/